المتفحص لتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية من منتصف العام 2008 وإشتدادها في مطلع العام 2009 يتبين له وبوضوح أنها قد أثرت في جميع الشركات بمختلف التخصصات والأحجام والمواقع وسواء كانت ناجحة أو متعثرة ، غير أنه وكما كنا نقول في السابق أن التسويق هو أحد عناصر تميز الشركات الناجحة (وفقاً لما تاوصلت له العديد من الدراسات الحديثة) فكان التسويق أيضاً وراء كون الأثر السلبي على تلك الشركات هو أقل ما يمكن بالاعتماد على أحد أنشطة التسويق الحديث ألا وهو الاستخبارات التسويقية Marketing Intelligence ، وليس هذافحسب بل لعبت الاستخبارات التسويقية دور المايسترو بالأوركسترا الموسيقية والقائد العسكري في الميدان خلال عمليات إدارة تلك الشركات الناجحة لأدائها وسيناريوهاتها أثناء الأزمة الاقتصادية الحالية والتي تعد غير المسبوقة في قوتها واتساعها وسرعة وخطورة مفاجآتها.
حقاً إن السوق بالفترة القادمة لن يثبت به إلا من يمتلك المعلومة الجيدة ، ويُقصد بالمعلومة الجيدة "تلك المعلومة المناسبة من حيث: الصحة ، الدقة ، الاكتمال ، التوقيت ، الشكل ، التكلفة ، عدم إحتوائها على أخطاء" ، وللوقوف على دور الاستخبارات التسويقية في مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية علينا أولاً إزالة شبهة حولها لدى غير المتخصصين بحيث قد يعتقدون أن الاستخبارات التسويقية وظيفة مرادفة للتجسس والأعمال غير الأخلاقية بين الشركات ومنظمات الأعمال ، وهو أمر غير صحيح (بالرغم من إقرارنا بأنه قد يحدث في بعض الممارسات التسويقية غير الصحيحة لبعض المنظمات) ، كما أنه ينبغي أن نعلم أن الاستخبارات التسويقية لا تعني فقط الاكتفاء بالتعرف على أسعار وخطط المنافسين بالسوق.
إن نظام الاستخبارات التسويقية أحد العناصر الرئيسية لنظام المعلومات التسويقية. وتعرف الاستخبارات التسويقية بأنها "تجميع وتحليل بيانات البيئات التسويقية الداخلية والخارجية وإتجاهاتها المتوقعة لدعم وترشيد القرارات التسويقية". ويمتد نظام الاستخبارات التسويقية ليشمل كل عناصر البيئات التسويقية للمنظمة والتي من أهمها ما يلي :
أ. البيئة الداخلية للمنظمة .
ب. البيئة الخارجية المباشرة (التخصصية) ومن أهم عناصرها:
المنافسون ، الموردون ، العملاء ، النقابات العمالية ، الاتحادات المهنية ، الجهات الرسمية المختصة ، الموزعون ، التجار ، الوكلاء.
ج. البيئة الخارجية العامة ومن أهم عناصرها:
البيئة الجغرافية ، البيئة القانونية ، البيئة السياسية ، البيئة الاجتماعية ، البيئة الثقافية ، البيئة التكنولوجية ، البيئة الفنية ، البيئة الاقتصادية.
وتتبع الاستخبارات التسويقية الإدارة الإستراتيجية العليا للمنظمة لأنها المسئولة عن القرارات الإستراتيجية التسويقية ضمن فريق دعم اتخاذ القرار Decision Support Team (DST) كما قد تتبع الإدارة العليا للنشاط التسويقي إذا ما كانت مفوضة باتخاذ القرارات الإستراتيجية التسويقية بحسب أحوال كل منظمة وظروفها لتكون ضمن عناصر نظام دعم اتخاذ القرارات التسويقية Marketing Decision Support System (MDSS) ، ومن خلال بعض البرامج الاستشارية السابقة والتجارب الشخصية مع العديد من الشركات متعددة الجنسية يمكنني القول بأن هناك أمثلة غير تقليدية لنظم فرعية حديثة ومبتكرة تتبع نظام الاستخبارات التسويقية بالمنظمة ومن أهم تلك النظم الفرعية ما يلي:
· النظام الاستخباراتي لتحليل الشكاوى.
· النظام الاستخباراتي لتحليل المقترحات والأفكار الجديدة.
· نظام الإنذار المبكر ومركز الرصد التسويقي.
· نظام دراسة المنافسين.
· نظام قياس وضبط الصورة الذهنية الداخلية والخارجية.
· نظام توجيه الرأي العام الايجابي والعكسي.
· نظام دراسة المكانة السوقية للمنظمة Positioning.
· نظام بنك الخبرة.
· نظام التأهيل والتدريب الاستخباراتي.
ومما لا شك فيه أن الاستخبارات التسويقية كأي من الممارسات الاجتماعية الأخرى قد يحدث بها تجاوزات سلبية أثناء التطبيق ، وهو ما لا يعد عيبا في الاستخبارات التسويقية ذاتها وإنما في الأساليب ووسائل التطبيق. غير أننا اليوم وفي ظل العولمة زادت قوى العرض والمنافسة المحلية والدولية بصورة تفرض على المنظمات أن تدرس وبدقة :أين المنظمة؟ وأين الآخرون؟ وما الذي يدور من حولها؟ حتى تبدأ المنظمة بعد ذلك أولى خطواتها نحو التمايز التنافسي وهذا هو ما تستهدفه الاستخبارات التسويقية ، فكم من الفرص يمكن أن تستغل وكم من التهديدات يمكن تجنبها من خلال إنشاء وتطوير نظام للاستخبارات التسويقية بالمنظمة ليشمل ما هو أبعد بكثير من مجرد متابعة أسعار المنافسين!! حيث تتناول عدة أنشطة أخرى من بينها: التحليل ، الاستنتاج ، التتبع ، التنبؤ ، الاتصال ، التفاوض ، الربط ... وغيرهم الكثير من الأنشطة الاستخباراتية.
كما أن الأمثلة على تداخل السياسة في التسويق عديدة بل وتدخل في جوهر النشاط التسويقي وفقاً لما قاله البروفيسور الأمريكي الشهير Kotler الملقب "أبو التسويق الحديث" في مقال سابقله بعنوان Mega-marketing والذي إفترض فيه أن عناصر المزيج التسويقي لابد وأن تتناول "السياسة" كأحد عناصرها الأساسية وخاصة للشركات التي تتعامل مع الأسواق الخارجية. فنجد على سبيل المثال أن إحدى الشركات العربية المتخصصة في مجال تجارة السيارات المستوردة قد حققت أرباحا مضاعفة نتيجة الاستفادة بمعلومات إدارة الاستخبارات التسويقية لديها عن تحليل البيئة السياسية والقانونية وتوقعاتها بزيادة الرسوم الضريبية والجمركية على السيارات بتلك الدولة (وهو ما قد حدث بالفعل) ، ثم حدث وأن تجنبت نفس الشركة تهديدات كبيرة بعد ذلك بعدة سنوات عندما توقعت إدارة الاستخبارات التسويقية بالشركة مرة أخرى انخفاض كبير بالرسوم نتيجة مفاوضات تلك الدولة مع منظمة التجارة العالمية (وقد حدث ذلك أيضاً).
وعلى رجل الاستخبارات التسويقية في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية عليه أن يقدم الاجابات لكثير من الأسئلة في مجال الأعمال والتي من أهمها ما يلي:
· متى نقوم بالاندماج مع الشركات الأخرى؟ وكيف؟ ومع من؟
· هل نمتلك؟ أم نستأجر؟ ولماذا؟
· أينبغي على الشركة الآن التوسع؟ أم الانكماش؟
· كيف تسير البنوك؟ وإلى أين ستصل؟ وما الاختلافات فيما بين البنوك وبعضها؟
· ما هي أسعار السوق؟ وكيف يحدد المنافسون أسعارهم؟ وإلى أين تسير الأسعار؟
· ماذا نبيع؟ وكيف؟ وأين؟ ومتى؟
· ما الذي نحن بحاجه إليه في معادلة السياسة المحلية للدولة الأم؟ وما هو حجم علاقاتنا بمتخذي القرارات السياسية المتعلقة بنشاط الشركة؟ وكيف يمكن تنمية تلك العلاقات بالطرق القانونية؟
· هل هناك أفكار وطرق بديلة لمشكلاتنا التسويقية الحالية؟ وكيف يتم تنفيذها؟
وكما سبق الاشارة أنه لن يثبت في السوق بالفترة القادمة إلا من يمتلك المعلومة الجيدة لدعم نشاطه التسويقي الذي يُعتبر أحد أهم عوامل النجاح (إن لم يكن أهمها) وهو ما يمكن تقديمه بمعرفة الاستخبارات التسويقية التي أصبح من الضروري على المنظمات العربية إدراك أهميتها وتطبيقها قبل فوات الأوان.