حوار مع الغفلة
أني رأيتُ كأنما , سقطت على الارض كلمة ..مددت يدي لتناول الكلمة ,
قالت : لاتمسكني !!
نظرت اليها مستغربا , واذا بها كلمة ( الغفلة ) .
قلت : أكلمة تتكلم ؟!!
قالت: نعم .. إذا كثرت الغفلات نطقت الكلمات.
قلت : وما قصدك ؟
الغفلة : أعني ان هناك ضربين للغفلة عامة وخاصة فأما العامة فهي غفلة لبعض الدعاة عن المعاني الايمانية فإنكم قليلو المراقبة قليلو المجاهدة , قليلو المحاسبة , قليلو التوبة .
قلت : نعم كلامك صحيح فأنا قوي من الناحية الثقافية والحركية إلا أنني ضعيف من الناحية الايمانية , واعيش في غفلة روحانية فما السبب يا (غفلة ) ؟؟
الغفلة : السبب , واضح فمرافقة الغافلين هي السبب . لانهم يجملون لك القبيح , ويزينون لك السيئات ولهذا نهى الله تعالى عن صحبتهم وطاعتهم بقوله تعالى:
( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه ).. أما من جاور الكرام فقد آمن من الاعدام .
قلت : وكيف تتحقق ( الغفلة القلبية ) ؟
الغفلة : حين يتجه الانسان الى ذاته , والى ماله , والى أبنائه والى متعه ولذائذه وشهواته , فلم يجعل في قلبه متسعا لله, عند ذلك تتحقق الغفلة القلبية والتي نهى الله عن اتباع من كان قلبه غافلا بقوله( ولا تطع من أغفلنا قلبه ... ) .
قلت : وهل تظنين ان مرافقة اهل الغفلة له أثر ؟!
الغفلة : اعلم ياعبد الله (( أن الدخان وان لم يحرق البيت سوده )) .قال
الله تعالى:( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولاتكن من الغافلين ) . ولتزداد فهما وقناعة اليك هذه الحالة:هب أنك ضعت في صحراء قاحلة , ونفذ طعامك وشرابك حتى كدت تموت جوعاَ, واستسلمت لشبح الموت ,
وبينما انت في انتظاره , رأيت قافلة بعيدة.. قفزت قائما !! وأسرعت
للحاق بها , وبينما أنت تجري دخلت شوكة في قدمك فنظرت إلى أسفل , ثم رفعت بصرك وإذا بالقافلة قد اختفت عن ناظريك .
قلت : وأين معنى الغفلة هنا ؟
الغفلة : النظر الى اشواك الدنيا ياعبد الله .
قلت : وما اشواك الدنيا ؟!
الغفلة : هي التعلق بالدنيا , وميلان القلب الى النساء والمال والمنصب والزينة وتقديمها على حق الله تعالى , فحينما تتحقق الغفلة بأنواعها المختلفة من غفلة القلب او اللسان او الآذان او العين , وعندها يكون المرء من اهل البلاء . وقال احدالعارفين :إذا رأيتم أهل البلاء فأسألوا الله العافية .. فأهل البلاء هم اهل الغفلة عن الله سبحانه وتعالى .
. فطوبى لمن تنبه من رقاده , وبكى على ماضي فساده,
وخرج من دائرة المعاصي الى دائرة سداده عساه يمحو بصحيح اعترافه قبيح اقترافه قبل ان يقول فلا ينفع , ويعتذر فلا يسمع }فالتفتت ( الغفلة ) إلى ( عبد الله ) وإذ بعينيه تذرف دموعا .
فقالت له : ربما عثرة تعتري الداعية في طريقه دلته على تقصير في الطريق فيزداد عملا وتقوى .{ ثم قالت ولكني أبشرك ياعبد الله فليس كل غفلة مذمومة , وإنما هناك غفلة محمودة .
قلت : وهل هذا يعقل ؟
الغفلة : نعم وقد تحدث عنها مطرف بن عبد الله – رحمه الله – حين قال :
لو علمتُ متى أجلي لخشيت ُ على ذهاب عقلي , ولكن الله منّ على عباده بالغفلة عن الموت , ولولاها ما تهنأوا بعيش ولا قامت بينهم الأسواق .
فهذا هو المعنى الوحيد الحسن لأسمي إلا ان الناس في غفلة عنه
قلت : صدقت والله .
الغفلة: ولكن هناك معنى أخير لم أتطرق له .
قلت : وماهو ؟ فإنني في حاجة الى فهم الغفلة فهما شاملا , حتى اعرف كيف أرتقي بنفسي وأصلح سريرتي .
الغفلة : أما المعنى الاخير فهو معرفة السبب الرئيسي للأستهزاء بالناس, والنظر الى عيوبهم وهو الغفلة عن النفس . كما قال عون بن عبد الله – رحمه الله - ماأجد أحدا تفر َغ لعيب الناس إلا من غفل عن نفسه
فاتعظ يا عبد الله ..