السيدة مريم العذراء عليه السلام

العذراء مريم
مقال تفصيلي :مريم العذراءتجمع أغلب الطوائف المسيحية، الكاثوليكية، الأرثوذكسية الشرقية، الأرثوذكسية المشرقية والنساطرة على تكريم خاص للعذراء مريم، وتدعى دراسة ما يخص العذراء في الكتاب المقدس والعقائد المسيحية باللاهوت المريمي.

نعظمك يا أم النور الحقيقي،
ونمجدك أيتها العذراء القديسة،
يا والدة الإله، يا ثيوتوكوس،
لأنك ولدت مخلص العالم،
فأتى وخلص نفوسنا.
—قانون إيمان مجمع أفسس 431.[340]

يعتقد المسيحيون أن العذراء قد حبلت من الروح القدس،[341] في الوقت الذي كانت به مخطوبة ليوسف النجار، ورغم زواجها اللاحق منه لكنها ظلت خطيبته،[342] أي أنها دائمة البتولية وذلك استنادًا إلى نشيد الأناشيد 12/4، حزقيال 2/44 والمزامير 5/45، إضافة إلى تسميتها أم يسوع وليس زوجة يوسف في متى 13/2 إلى جانب أن يسوع قد عهد بها إلى يوحنا بن زبدي في ساعاته الأخيرة ولو أنها أنجبت سواه لكان أولى أن يقوم أولادها برعايتها.[343]


أيقونة ثيوتوكس فلاديمير أي والدة الإله سيدة فلاديمير.ترى هذه الطوائف أن إكرام العذراء أمر واجب، استنادًا إلى لوقا 45/1، لوقا 48/1 ولوقا 27/11، فضلاً عن كونها الشخص الوحيد الذي رافق يسوع من ميلاده حتى صلبه، ولأنها كانت سبب اجتراح المسيح لآيته الأولى في عرس قانا الجليل.[344] ولذلك تخصص الكنيسة الكثير من الصلوات والأدعية لها، وتوضع في جميع الكنائس أيقونات تمثلها، وكتب الكثير في مدحها خلال مختلف مراحل الأدب المسيحي؛ يرى المسيحيون أيضًا بأن إكرام العذراء هو إكرام للمسيح نفسه، لذلك فقد أغدقت عليها العديد من الألقاب: أم النعمة الإلهية، أمًا بغير عيب، بتول حكيمة، بتول ممدوحة، مرآة العدل، باب السماء، كرسي الحكمة، سبب سرورنا (أي سرور المسيحيين)؛[345] إضافة إلى عدد من الألقاب المستمدة من العهد القديم فهي تابوت العهد، باب السماء، أرز لبنان وبرج داوود،[346] سوى ذلك تدعى العذراء " أم الله" وقد دار جدال لاهوتي طويل في القرن الخامس حول شرعية استخدام هذا اللقب، خصوصًا إثر تعاليم نسطور الذي اعتقد بأن الابن الكلمة قد حلّ في يسوع وقت العماد وليس يسوع هو الابن، وبالتالي فضل نسطور دعوة العذراء " أم المسيح" وليس "أم الله"، بيد أن مجمع أفسس سنة 431 قد حسم الجدل باعتماد مصطلح ثيوتوكوس التي تعني بالعربية والدة الإله، ويشير هذا المصطلح إلى أنها والدة الله حسب الجسد وليست واحدة اللاهوت في الله. حكم المجمع أيضًا بالهرطقة على نسطور، ولا يزال النساطرة حتى اليوم يدعون العذراء والدة المسيح.[347]

بنات كثيرات عملنّ فضلاً،
أما إنتِ ففقت عليهنّ جميعًا.
—سفر الأمثال 29/31.

يؤمن المسيحيون أيضًا بشفاعة العذراء، أي بأن الصلاة والتضرع نحوها يأتِ بنتائج حسنة للفرد لأنها تقوم بفعل وساطة مع المسيح، ينبثق هذا الاعتقاد بشكل أساسي من حادثة عرس قانا الجليل، فالمسيح لم يكن يريد اجتراح معجزة لكن العذراء طلبت منه فاستجاب،[348] ويضيفون أنها لم تذق الموت بل انتقلت إلى السماء بالنفس والجسد،[349] حيث توجت هناك ملكة السماء والأرض وجلست عن يمين المسيح استنادًا إلى ماورد في مزامير 2/45.[350]

تضيف الكنيسة الكاثوليكية إلى هذه العقائد عددًا من العقائد الأخرى أشهرها الحبل بلا دنس سنة 1856 والتي تشير إلى أن العذراء قد حُبل بها من دون دنس الخطيئة الأصلية التي يرثها الجنس البشري منذ آدم، وقد ورد في نص العقيدة، إن العذراء قد نالت هذا "التكريم الفائق" باستحقاقات ابنها يسوع المسيح.[351] ويحتفل بعيد الحبل بلا دنس في 8 كانون الأول من كل عام، ويعتبر عطلة رسمية في عدد من بلدان العالم.[352] يرى الكاثوليك أيضًا أنها شركة في الفداء استنادًا إلى لوقا 35/2، وهي سيدة الوردية المقدسة، والوردية عبارة عن صلوات تأملية في مسيرة المسيح على الأرض من خلال العذراء ترافق بالصلاة الربية والسلام الملائكي عشر مرّات؛[353] ويحتفل بعيد الوردية خلال شهر تشرين الثاني من كل عام، وهو ذكرى ظهور العذراء في مدينة فاطمة البرتغالية.

أما العذراء لدى الطوائف البروتستانتية فهي مختلفة تمامًا عن سائر الكنائس، على الرغم من أن بعض هذه الطوائف خصوصًا اللوثرية والأنجليكانية يعترفون بإكرام خاص للعذراء ودورها في حياة المسيح، لكن الطوائف البروتستانتية عمومًا تنكر الشفاعة ولا ترفع طلبات وصلوات إلى العذراء كما أنه لا يوجد أيقونات تمثلها؛ بمعنى آخر حتى لو كان تكريم العذراء موجودًا في بعض الكنائس البروتستانتية لكنه لا يترافق بأفعال أو تعاليم تظهره؛ سائر الكنائس البروتستانتية تعتبر أن دور العذراء قد انتهى عقب ميلاد يسوع وبالتالي فهي ليست ببتول بل قد تابعت حياتها بشكل طبيعي وأنجبت ذرية، يأت هذا الاعتقاد استنادًا إلى إنجيل مرقس 6/ 3-4 حيث يذكر إخوة المسيح؛ هذا التعليم يلقى أشد معارضة من سائر الكنائس التي تكرم العذراء، وتشير إلى أن كلمة إخوة في اللغة العبرية وكذلك في اللغة الآرامية لا تقتصر على المعنى المتعارف عليه اليوم بل تشمل مختلف الأقارب، وتشير إلى أن هؤلاء المذكورين في إنجيل مرقس لم يكونوا بأولاد مريم فقد ذكر اثنين منهم في متى 27/ 56 كأولاد مريم أخت قلوبا المذكورة في إنجيل يوحنا 65/19.[354]