الرئيسية » الـنــقـد» بدايات الأدب الانكليزي
بدايات الأدب الانكليزي
عدد مرات المشاهدة :1639 - 29/ 8/ 2007
حجم الخط: علي المناع
أ. ساندرز اندريو
ترجمة: علي المناع
يعود الأدب الانكليزي القديم إلى الثقافة العالمية للمملكة الإنجلوسكسونية، التي كانت موجودة في القرن الخامس الميلادي وانتهت على يد الغزو الروماني. ولعل المصطلح الأكثرُ دقة لوصف تلك الحقبة هو الأدب "الإنجلوسكسوني"، إلا أننا وجدنا في أدبيات أدب اللغة استعمال مصطلح الأدب القديم ويعزا ذلك لأسباب تتعلق بفقه اللُغة من ناحية وكذلك لإضفاء النزعة الوطنية على هذا الأدب من ناحية أخرى. وعندما نتكلم عن الأدب القديم فإننا نشعر أن ثمة ربطاً ثقافياً بين إنكلترا في القرن الخامس أو السادس والقرن التاسع، إذ أن منظرو فقه اللُغة قرروا بأن اللُغة الألمانية واللُغة الإنجليزية فيما بعد مرت بمراحل تطور حتى وصلت إلينا في شكلها الحديث، أطلق منظرو فقه اللُغة على هذه المراحل بالقديمة والوسطى والحديثة.
تمكنت القبائل الجرمانية، والتي تضم الآنجليز والسكسون والجوت، من غزو بريطانيا التي كانت تحتلها الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي وجلبت معها لغتها ومعتقداتها الوثنية وتقاليد محاربيها المتميزين، وازاحوا مواطنو بريطانيا السَّلتيين (وهم سكان ايرلندا واسكتلندا وويلز) باتجاه الغرب إلى حدود الويلز وكرونول وباتجاه الشمال إلى اسكتلندا. كذلك عمدوا إلى تغيير أسماء جميع المعالم القديمة ما عدا أسماء الأنهار والغابات والتلال وبقايا مدن المستعمرة الرومانية المُحصنة. أما مصير السكان السَّليين القدامى الذين لم يتمكنوا من الانتقال أطلق عليهم مصطلح وليث (Wealh) التي اشتقت منها كلمة وليش (Welsh) والتي تشمل سكان تلك المنطقة الأصليين والعبيد. أما قوانيين الرومان وتعاليمهم التي كانت سائدة آنذاك فقد تلاشت أمام غزو القبائل الجرمانية على الرغم من مقاومة بعض القبائل السَّليينة في القرن الخامس الميلادي بقيادة أمير ارتبط اسمه فيما بعد ببعض الأساطير منها اسطورة الملك آرثر الشهيرة.
وفي القرن السادس بدأت حملة نشر الديانة المسيحية في بريطانيا ثانية فانتشرت البعثات التبشيرية، ففي الشمال تحديداً في اسكتلندا قام بالتبشير رهبان سلّييون في حين عُهدت مهمة التبشير في الجنوب إلى مجموعة من الرهبان البنيديكتيون (من أتباع القديس بنيديكت) أُرسلت من روما بأمر من البابا غريغوري الكبير. والحماسة المنظمة للرهبان البنيديكتيين وسلسلة الديرات التي أسسوها في ذلك الحين ساعدت على انفتاح بريطانيا على الحضارة اللاتينية للكنيسة الرومانية وثقافة الأقوام الجرمانية الحديثة في غرب أوربا. وما أن انتهى القرن السابع حتى انتشرت تعاليم المسيحية الرومانية في جميع أنحاء المملكة الإنجلوسكسونية.
كانت معظم الأعمال الأدبية آنذاك شعراً شفوياً، إذ كان الشعراء ينظمون شعرهم باللهجات الألمانية التي كانت تستعملها الأقوام الأنجلوسكسونية في ذلك الحين ويلقونه في المناسبات العامة، ولم يتم تجميع تلك الأعمال الأدبية الشعرية وتدوينها حتى القرن العاشر عندما أخذ الرهبان المسيحيون على عاتقهم ذلك الدور، وقد امتاز الأدب الإنجليزي القديم بكثرة استعماله للوسائل الأدبية كالتشبيه والاستعارة وغيرها، ولم يأخذ الكتاب والمغنون الحالة الاجتماعية للشعراء بعين الاعتبار – كما هو عليه الحال اليوم – بل كان دورهم الرئيس هو خدمة المجتمع، لذلك لم تصلنا أسماء شعراء وكتاب تلك الحقبة.
بيووُلف (Beowulf)
ومن أشهر ما كُتب في تلك الحقبة وتحديداً في القرن الثامن الميلادي هو ملحمة بيوولف (Beowulf)، التي تحلق بنا إلى عصر اشتهر بمحاربة الوحوش وقتلها في الدول الاسكندنافية إلا أنها تتضمن في الوقت نفسه صراعاً بين الخير والشر، بين ما هو إنساني وما هو وحشي، إذ يظهر الوحش الرئيس في الملحمة، غريندل، على انه عدوُ الإله، وكان يتطلب من قارىء هذه الملحمة أن يستشف ليس الإشارات التي تُنَوَّهُ إلى عالم الأسلاف فحسب، بل عليه أن يميّز الإشارات الضمنية للجانب البطولي في المجتمع المسيحي أيضاً. وإن الأفعال المسيحية والبعثات والاستشهاد لتخليص العالم مما هو عليه من آثام يمكن تفسيره حسب مفاهيم البطل المتعلقة بالكتاب المقدس في هذه الملحمة، بمعنى آخر أن البطل في هذه الملحمة، بيوولف، يوَّفِقُ ما بين مَن ينعمُ في مجتمع زراعي يسوده النظام والاستقرار، ومَن ينعَمُ في مجتمع لا يسوده الاستقرار بل يشهد تجوال بطله المحارب. فنلاحظ بطل الملحمة، بيوولف، يقفزُ من ثقافة دينية ينظر إليها كسرّ من أسرار الديانة النصرانية ولا يمكنه فكّ لغزها ببساطة وكأنها تُحجب نفسها عن الآخرين بحجاب، ويرى في الطبيعة علامات ومعاني لا يمكن فكّ طلاسمها، ورعبا وإعجازا يجسده الوحش الرئيس في الملحمة، غريندل، وأعوانه وأقاربه وكذلك التنيين، وكل ذلك يدّل على تعدد الأغراض الدينية التي تحملها الملحمة، حيثُ أنه كلـَّما تمّ فهم معجزة الإله فهما صحيحا يمكن عندئذ استيعاب إرادته ومشيئته، وكذلك كلـّما تمّ فهم الصراع القائم بين الخير، المتمثل بالإنسان، والشر، المتمثل بالشيطان، فإنه يمكن وقتئذ فهم الغرض من وراء ذلك الصراع. ويمكن أن يُطلق على بووليف ملحمة وذلك لأنها تستعرض انجازات بطل بأسلوب سردي على الرغم من أنها لم تتقيد بأسلوبها السردي بشكل قطعي عندما نقارنها بالأسلوب السردي الذي تميّزت به ملحمة هومر فيرغل (Homer Virgil)، والسبب يعود إلى أن الملحمة بنيت حول ثلاث مواجهات قام بها البطل مع وحوش، وهولاء الوحوش استوقفوا الأسلوب السردي للملحمة باقحام أنفسهم في مجتمع إنساني. وحول تلك القصص الثلاث الرئيسة قصص أخرى حيكت، ففي حين يتجمع البشر في مجتمع يسوده الحب والمودة تأتي الوحوش من عالم خارجي ليعكروا صفو ذلك المجتمع ونقائه بتضمين يفهم من ورائه علاقة المجمتع المتجانس بالغرباء الأشرار، يقوم الأمير بتقديم الحماية والرخاء لرعيته ويقوم المحاربون برد ذلك الجميل في مجتمع مترابطا ارتباطا وثيقا، ويظهر الأمير في الملحمة بدور "الخاتم السحري" بالنسبة لبيوولف، فكلّما مُسِح عليه ألهمه الشجاعة التي يحتاجها في صولاته، فكان نِعم السند ونِعم العضيد. ويظهر المجمتع أيضا على شكل هرم يقف الملك هروثغار في مقاطعة هيوروت (Heorot) في أعلى قمته وبترتيب – أو إن صحّ التعبير بعدم ترتيب – تنازلي حتى يصل إلى مخلوقات تريد تحطيم الملك وبلاطه. فيهب البطل بيوولف لرد كل هجمة يتعرض لها الملك والبلاط، وتبدأ الهجمات على يد الوحش غريندل الذي يصد هجومه بيوولف ويطرده من البلاط إلى منطقة الوحوش فيقتله، وعندما سمعت أم غريندل خبر وفاة ابنها غضبت غضبا شديدا، لذا شنت هجوما ثأريا على البلاط لتنتقم من بيوولف والملك، إلا أن بيوولف تمكن من صد هجومها ولحقها هو ومن معه إلى مكانها - أراد الشاعر من خلال هذه المشاهد أن يسلط الضوء على عالمين مختلفين تماما من حيث المكان والواعز والأشخاص.
والجدير بالذكر أن انتصار بيوولف على غريندل في منطقة من مناطق الدنمارك الآهلة بالوحوش قُورِنَ بذبح التنين العملاق في الأسطورة التيوتونية "سيغيموند"، فللمُتلقي الأساس لملحمة بيوولف تُعَدّ هذه المقارنة تلميحا على انتصارات بيوولف المقبلة والتي قد تؤدي إلى انتصارات جديدة يحققها البطل بيوولف على وحوش أخرى وقتلها إلى الأبد، ومن الناحية الفنية تُجَسِد هذه المقارنة نوعا من أنواع التهكم المأساوي الذي يتناسب مع انسياب الملحمة. وعندما تصل الملحمة إلى الحل ويوشك البطل بووليف أن يقضي على آخر تنيين، يظهر بووليف بمظهر الرجل المتعب الذي ما إنفك يفكر بمصيره المحتوم، وتأتي الخاتمة بموت البطل وأجواء الحزن والتشييع الفخم الذي يليق بمقامه، فموت بيوولف يترك فراغا سياسيا يحاول أمراء المقاطعات المتاخمة استغلاله.