اسم العراق.. من أوروك وإيريقا!
ظهرت، قبل سقوط النظام، إشارات طاعنة بكيان العراق الجغرافي، ثم توسعت إلى الطعن باسمه العتيق. تعامل معه البلدانيون تعاملهم مع أصل اسم بغداد. وهنا لسنا مصابين بلوثة التعصب، وكراهة الأقوام، والحط من انجازاتها الحضارية، فبلاد فارس صاحبة حضارة ورقي من غابر الزمان، إلا أن المعاصرين، من ذوي السلطان والمعارضين على حد سواء، مصابون بتلك اللوثة، ينظرون الى مَن اُحتلوا من قبل أجدادهم نظرتهم الى أتباع لا أكثر، وأسماء بلدانهم ومدنهم، وحتى أئمتهم، ما هي إلا صياغات فارسية. أتذكر فتح النقاش حول اسم العراق في مقر جريدة «الشرق الأوسط»، وما كان من الكاتب الإيراني مير طاهري، وهو من الغاضبين على النظام الحالي، إلا مكاشفته بالقول: إن اسم العراق فارسي. وانسحب! من دون أن ينتظر ردي الغاضب، لما حُمل هذا الاسم العريق من تفسيرات شوهاء!
صدر كتاب «اسم العراق» للباحث والمؤرخ سالم الألوسي، عن المجمع العلمي العراقي 2006، ووصلني عن طريق الوراق الشاب مازن لطيف. والألوسي من نُخبة الباحثين العراقيين المُجيدين، ومن كُتاب مجلة «سومر» الآثارية، وقد قرأت بخطه إهداء (16 كانون الأول 1963) إلى المعمار محمد مكية، على غلاف «فهرست سومر»، وهو من وضع حكمت توما توماشي.
أتيت بتعريف لصاحب كتاب «اسم العراق»، مع أن المعروف لا يُعرف، لأجل إشعار القارئ بجدية الأمر، وحجم المعاناة التي دفعت الالوسي إلى الخوض في بداهة، مثل عراقة اسم العراق! وهنا لا أريد الخروج عما ورد في الكتاب، وإلا فالأمر يطول، بما تناول الاسم من بلدانيين ورحالين، وما جاء في مجلة «لغة العرب» حول العراق واسمه.
ولمَنْ يرى اسم العراق منحوتاً عربياً، ظهر بعد فتوح العرب المسلمين، ما جاء عنه في الشعر ما قبل الإسلام، منهم: شاعر الحكمة والسلم المخضرم زهير بن أبي سلمى (ت 13 هـ)، قال في معلقته: «فَتُغللْ لك ما تُغِل لأهْلها... قُرىً بالعراقِ من قَفيزٍ ودَِرْهم» (الزوزني، شرح المعلقات السبع). وقال المتلمس جرير بن عبد المسيح (ت 580 ميلادية): «إن العراقَ وأهله كانوا الهوى... فإذا نأى بي ودهم فليبعدُ» (اسم العراق، عن شعراء النصرانية). وروي أن عنترة بن شداد ذهب إلى العراق يطلب من إبل النعمان «العصافير» ( ت نحو 615 ميلادية): «فخضت بمهجتي بحر المنايا ... وسرتُ إلى العراق بلا رفاقِ» (اسم العراق).
وكم خاض المؤرخون، أو الرواة، بأحوال أصل الاسم، ما زال محصوراً بين نحته العربي وأصله الفارسي، بينما ظلت تسميته القديمة بعيدة عن التناول! حيث ذهب طه باقر (ت 1984) إلى القول: «مشتق من كلمة تعني المستوطن، ولفظها أوروك... وأن أول استعمال لكلمة عراق ورد في العهد الكيشي، في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، وجاء فيها اسم إقليم على هيئة (إيريقا)» (اسم العراق)؟
على أي حال، لماذا يحار بأصل اسم العراق، والأرض كان اسمها «أوروك»، أو «إيريقا»، وليس هناك مانع من تبدل: الهمزة إلى عين، والقاف إلى كاف! أما مَنْ كان على شاكلة مير طاهري فليس هناك شط العرب، ولا خليج البصرة، إنما هما في عُرفه: أروندرود، والخليج الفارسي! وعزاؤنا في ما قاله محمد باقر الشبيبي(ت1960): «أما العراق فإن في تاريخه.. شرفاً يضيء كما يضيء الفرقد». وأرى الاسم في مقدمة هذا الشرف!
منقوووووووووول مع بعض التعديلات ...