محاولات من الإنتحار , قام بها " يوسف " , ليتخلص من كابوس نغص عليه ما تبقى من حياته داخل سجنه , لكنها باءت بالفشل في كل مره .
كنت محامى عائله هذا الرجل , وما أعرفه عن أبيه وأفراد عائلته , أنهم أنُاس جوادين , يتسمون بدامسة الخُلق , إما عن "يوسف" . فهو إنسان جميل , تكاد من فرط صفاء نفسه , ونقاء سريرته , تستشف ما في جوفه , كأنه البلور , تشيع في نفسه , القناعة والرضا , لطيف المعشر , لين الجانب , عندما تحادثه تشعر وكأنك تتحدث إلى نفسك , كأنه اتصل بها دون أن تشعر , كنت في زيارة له داخل سجنه, فإذ به , رجل يائس من الحياة ومن عليها , ورأيت خيوط محمره تسللت بداخل عينيه , بعد أن رفع رأسه المدفونة بين ركبتيه , أثقلت عليه في الحديث , ليُعلمني ما حدث وقت وقوع الجريمة , لكنه امتنع عن الحديث , وبعد طول إلحاح منى , وافق أن يقص لي ما حدث وقتها .
كنت شاب مدلل , وسط أسره تنعم بالثراء , وكان المال يمثل لي وسيله للتنعم بملذات الحياة , ولكن أنت تعرفني جيدا , أنا لست ذاك الشاب الطائش , متردد البارات , أو النوادي الليلية , فقط ..كنت استخدمه في إرضاء نفسي , بطرق شرعية , وذات يوم , ذهبت لإحدى المراكز التجارية لشراء بعض الملابس , هناك وجدت فتاه جميله , أخذتني من أول وهلة , وتطور الأمر معي , فكنت أتردد على هذا المكان بشكل يومي , بحجه أنى اشترى بعض الملابس , ووقعت في حبها , وبعد أن سنحت الفرصة , قررت أن أعرض عليها الزواج منى , ولم تفكر الفتاه لبرهة في رفض طلبي , على الرغم من أنى لم أتحدث معها إلا في أمور العمل , وتزوجنا , رغم ما قيل عنها , أنها قبلت زواجي طمعاً في ثروتي المتضخمة , ولكنى نحيت كل هذا جانبا . ومضت الأيام في علاقة من الحمق أن نصفها بالحب, فلم اشعر به في يوم , ولكن مضت كحياة زوجيه فاترة , وبعد مضى تسعه أشهر من زواجنا , رزقنا الله طفله , وكم كنت سعيدا بهذا الأمر , أما من جانبها فلم أشعر بأي سعادة قط , وكأنها تأبى أن يكون بيننا حلقه وصل , ومضت الأيام بنا حتى كبُرت ابنتي وبلغت من العمر سنه ونصف , وهى تعانى كل يوم مر الشكوة , من مكوثها وحيده داخل بيتنا , وأصبحت من وقتها إنسانه , متذمرة , ساخطة , شاكيه , لا تكاد تلقاني حتى تجابهني : أريد كذا , سئمت من كذا , ابنتك أتعبتني , لا تذهب لأمك, أبوك ساخطاً عليك , أطلب منه أن يقسم ثروته .... الخ
على الرغم أنى لم أرفض لها طلبا , سيارة , ومجوهرات , ومبالغ كبيره في البنوك , ورغم كل هذا ما كانت تكف عن المطالب , ووجدت نفسي في مهب زوبعة عاصفة عاتبه تعصف بى وبكل من حولي , وان صرح الزوجية قد أصيب بتصديع شديد. الأمر الذي دعاني أن أعبث في أوراق عفا عليها الزمان هائماً شارداً, وأصبحت كلمات أصدقائي بأنها تزوجتني لأجل مالي , تضرب أذني بصوت مدوي , واضطربت حياتي , وافتقدت العدول عن كل أموري , وفى يوم وجدت جريده على فراش زوجتي , بعد أن كانت تقرا فيها , عن... أمراه قتلت زوجها طمعاً في ماله , فوضعت له السم في طعامه ... ومن وقتها . تحولت مشاعري تجاهها إلى حقد شديد , فقد كان الشك أشبهه بنار تأكل صدري , وتمنيت لو أنى أنشبت أظافري في عنقها , فأزهق روحها , وحتى ألان لم أستطع أن أفهم ذلك الجو العدائي الذي أحاطتني به , ومرت الأيام وأنا أوجس منها خيفة , وأتوقع منها كيدا, ولكني لم أتحمل كل هذا . .. قررت أخيرا , أن آخذ ابنتي وأذهب عنها , تاركاً لها كل شيء , فلست أنا من يقتل نفساً وإن كان كارهُها ,وكان خطتي على النحو التالي ..أذهب إلى إحدى الصيدليات , وأجلب بعض أنواع المخدر , لأضعه في طعامها , وبعد أن تذهب في سبات عميق , آخذ ابنتي وأذهب عنها ...
وجاء مساء هذا اليوم , الذي يطاردني شبح جريمته , في كل مكان وزمان , وضعت لها المخدر في طبقها عندما قامت لتجلب بعض العصائر , وذهبت لأغسل يدي , وتركنا البنت وحدها على مائدة الطعام , وبعد برهة سمعتُ صوت ابنتي تصرخ , فنظرت لها مذعورا ,وأخذتها على الفور لأذهب بها إلى إحدى المستشفيات , ولكن.. ما كدت أن أصل , إلا وابنتي ميتة بين ذراعي , وأنا اصرخ وأقول لزوجتي أنا من قتلها, أنا من قتلها , , نعم لقد أكلت من طبق أمها وكان تأثير المخدر قوى , فلم يتحمل جسدها النحيل أثره , فماتت.
فسألت يوسف عن كميه المخدر , فقال:
_ كما أعلمني الصيدلي , أن نقطتين فقط تكفى للنوم .
إلى هذا الحد توقف يوسف عن الحديث ,ومن وقتها لم يغمض لي جفن فقررت أن أذهب لمشورة طبيب متخصص في أنواع المخدر وتأثيره , فأي مخدر هذا الذي يقتل ؟, خاصة إن كانت نسبته ضئيلة . فذهبت إلى احد أصدقائي المتخصصين في هذا المجال , وعرضت عليه الأمر , فقال لي , أن نقطتين فقط ليسو بالنسبة التي تقتل طفله , أو حتى فأر . وسعدت بهذا القول , لأنه أكد لي أمراً تسلل بداخلي.!!
أذن الطفلة لم تُقتل بالمخدر , فما الذي أماتها ؟ , السؤال بحاجه إلى إجابة , ولن يجيب على هذا السؤال إلا "الطبيب الشرعي" بعد أن يحلل الطعام , وبالفعل بعد مضى يوم واحد من تحليل الطعام , جاءت النتيجة , بأن الطفلة ماتت بـ "السم" , وليس بـ "المخدر" , ولم أندهش من هذا القول . فقط سألته, في أي طبق كان هذا السم ؟ , فرد على وأطفئ ناري المتقدة , بعد أن عقدت الدهشة على لسانه , ليقول أن السم كان بطبق "يوسف" , وليس طبق أمها .
و كنت أعلم هذا , منذ أن أخبرني "يوسف" بتلك الجريدة التي قرأت فيها زوجته حادثه قتل الرجل الثرى بوضع السم في طعامه ., وقتذاك علمت أن الفكرة تخمرت في رأسها , وعلى الفور بدأت في تنفيذها ... أذن "يوسف" بريء, براءة الذئب من دم ابن يعقوب , والآن لابد من ذهابي إليه لأهون عليه مر العيش , ولأضع البسمة على شفتيه , وأُعمله بأنه بريء , وأن زوجته هي من قتلت ابنتها , بفعلها الدنيء عن غير قصد , وأن المقصود بالقتل هو , على الفور ذهبت إلى سجن يوسف , وما أن دخلت الغرفة , إلا ووقعت عيناي عليه , مُلقى على الأرض , بعد أن بطح رأسه في أحد الجدران , فتهتك جبينه , وأصابه بنزيف حاد , فمات دون أن يقترف ذنب , بعد أن نجحت محاولته الأخيرة في الإنتحار
وعلمت وقتها , أنى تأخرت كثيراً.